Loading...
رئيس مجلس الإدارة
د.حاتم صادق

المصرى اون لاينبوابة خبرية متخصصة

رئيس التحرير
قدري الحجار

المأزق الإسرائيلي 2
الدكتور حاتم صادق

الدكتور حاتم صادق

لا شك أن نتنياهو يريد تحرير أسراه المحتجزين لدي حماس. لكن احتياجه القهري لكي يبدو بمظهر القائد القوي المحاط بجنرالات ووزراء ضعفاء يعزز غروره ويأتي ايضا بنتائج عكسية. 
ولمن لا يعرف فان نتنياهو الذي اصر علي استمرار الدعم المالي لحماس ورفض في الوقت نفسه ست مرات خلال الـ12 عاماً التي مضت مخططات جهاز الأمن السري الإسرائيلي المعروف باسم "الشاباك"، من أجل تصفية قيادات الحركة. وهو نفسه الآن الذي يتخذ مواقف استعراضية، تزيد من الخطر الذي يواجهه الأسرى المتبقون لدي حركة حماس وتتضاءل معه احتمالات إبرام صفقة. 
الصلف الذي تعامل به رئيس الوزراء الإسرائيلي مع تطور الأحداث انعكس سلبا علي صورة الدولة الاسرآئيلية التي كثيرا ما كانت تتباهي باحترامها لحقوق الانسان حتي ان صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قالت في تعليق لها: "بعيدا عن الجوانب الأخلاقية، فإن الأزمة في قطاع غزة، الذي أصبح على شفا كارثة إنسانية، تشكل تهديدا للمصالح الوطنية الحيوية". وتابعت: "نحثكم جميعا على كبح جماح المتطرفين، وإعطاء الأولوية لأمن إسرائيل ومصالحها الاستراتيجية على اعتبارات التحالف الداخلي".
ومن ناحية اخري، كشفت الحرب انعدام الكفاءة الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية وفراغاً مذهلاً للقيادة في قمة الهرم. وظهر هذا جليا عندما ماطل أعضاء التحالف الحاكم في اتخاذ قرارات حساسة وحيوية، ولم يتعاونوا مع بعضهم بعضاً في إدارة الحرب ، بل وهاجموا قيادات جيش الدفاع الإسرائيلي وبدرت منهم لا مبالاة وانعدام تركيز بلغ حداً محرجاً في إدارة العلاقات مع أهم حلفاء إسرائيل، وهى الولايات المتحدة الأميركية. 
خارجيا، وعلي صعيد العلاقات الامريكية- الإسرائيلية، التي تعد الأهم والأعمق بالنسبة للدولة العبرية، فقد بات واضحاً للمراقبين وللسياسيين، أن الأحوال بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو، هي أسوأ ما يكون،، وفي السابق كانت العلاقات التاريخية بين إسرائيل وأميركا تشكل حدوداً طبيعية أساسية يصعب على حكومات البلدين أن تتخطاها. فبايدن ينتقد نتنياهو، ولكنه يمدح إسرائيل بقوة، والأخير يرد يعلن أنه لا أحد، ولا حتى أصدقاء إسرائيل، بإمكانهم أن يفرضوا إرادتهم على الدولة العبرية، لكنه يؤكد علي أهمية الولايات المتحدة بالنسبة لإسرائيل.. وقبل حرب غزة كان هناك ثلاثة مواضيع أشعلت الخلاف بين بايدن ونتنياهو، الأول هو حل الدولتين ومستقبل الفلسطينيين، والثاني هو الاتفاق النووي ايران، أما الثالث فهو "لمن الأمر؟"، أي من يعطي الأوامر حيال إيران؟ هل تقرر واشنطن سياسة الغرب، بما فيه إسرائيل تجاه إيران؟ أم تقرر هذه الأخيرة أمنها الاستراتيجي تجاه "الجمهورية الإسلامية"؟ كانت تلك هي نقاط الخلاف ، الان زاد عليها نتائج وتداعيات حرب غزة الكارثية التي وسعت من حدة الأزمة بين الرجلين خاصة فيما يتعلق باجتياح رفح الفلسطينية وترتيبات التي تشترطها واشنطن وتتجاهلها تل ابيب قبل هذا الهجوم. وقبله.. كان خطة غزة بعد الحرب هي العنوان الرئيسي لهذا الخلاف، فكل منهما يري اليوم التالي بمنظور متباين، فقد وضعت إدارة بايدن أمام نتنياهو مقترحاً لنظام إقليمي جديد ما بعد الحرب، من شأنه القضاء على قدرة "حماس" على تهديد إسرائيل وحكم غزة، ووضع السيطرة على القطاع بين يدي سلطة فلسطينية "متجددة" (بمساعدة الحكومات العربية)، وتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل وإنشاء حلف دفاعي رسمي بين الولايات المتحدة والسعودية. وكل ذلك مشروط بموافقة إسرائيل على عملية سياسية هدفها على المدى البعيد هو تحقيق حل الدولتين، بدعم من الحكومات العربية الصديقة للولايات المتحدة والمعارضة لإيران وشركائها ووكلائها. وتشمل هذه الرؤية عملية تنبثق عنها في نهاية المطاف إسرائيل قوية وآمنة تعيش جنباً إلى جنب، وراء حدود آمنة ومتفق عليها، مع دولة فلسطينية قابلة للحياة ومنزوعة السلاح في الضفة الغربية وغزة. علي الطرف الاخر ، يصر نتنياهو علي انهاء حماس وتسليم القطاع الي عوائل غزاوية معتبرة لإدارته تحت سيطرة إسرائيلية وإقليمية، ودون الالتزام بحل الدولتين. مع ارجاء باقي الخلافات بين الرجلين لمرحلة لاحقة قد لايكونان هما أصلا في سدة الحكم… وهذا ما يزعج بايدن الي حد كبير لدرجة ان الانتقادات التي كان يوجهها الرئىس الامريكي لنتنياهو في المكاتب المغلقة وعبر خطوط الاتصال السرية، اصبح علي الهواء وعلنا مع كل لقاء مع الصحفيين،  وعلى رغم تأكيد الرئيسين أن العلاقة بين البلدين قوية ، الا أن الطرفين قد وصلا إلى طريق مسدود في تسوية الخلافات.
صحيح ان موقف بايدن الذي يخوض انتخابات رئاسية حاسمة لا يقل ضعفا عن نتنياهو، ويعتبر مشلولا الي حد كبير لممارسة ضغوطا فعلية علي إسرائيل لاحتياجه لأصوات الناخبين هناك ، الا انه مازال يمتلك بعض الأوراق الكافية لاحراج موقف نتنياهو داخليا وخارجيا، منها علي سبيل المثال فتح الباب امام عدم استخدام الفيتو في مجلس الامن ضد اسرائىل، او تأخير المساعدات العسكرية العاجلة او فرض شروط علي استخدام أنواع معينة من الذخائر الامريكية في غزة.
الحلقة تضيق في إسرائيل والصلف وغرور نتنياهو سيؤدي الي كوارث بدأت تجلياتها في الظهور، فالعجز العسكري والاستخباراتي، الذي بدت به إسرائيل يوم السابع من اكتوبر يتحمله وحده، كما ان سياسته المتهورة التي اتبعها حتي قبل الحرب والرامية إلى زيادة الانقسام بين الإسرائيليين جعلت البلاد عرضة للخطر، وأغرت حلفاء إيران لمهاجمتها. وأسهمت حرب الإبادة التي يشنها نتنياهو ضد الفلسطينيين في زيادة التطرف، وعادت المشاعر العسكرية في الداخل إلى الظهور بين مختلف الفصائل السياسية وانتشر السلاح بين المستوطنين، بمبادرة بن غفير وزير الداخلية الاسرائيلي الرامية إلى تسهيل منح تصاريح حيازة الأسلحة الصغيرة الفردية. وبعد عقود من التراجع التدريجي، من المتوقع أن ترتفع موازنة الجيش الاسرائيلي بنحو 50 في المئة.. الان اصبح مستقبل إسرائيل كله علي المحك، واذا كانوا يطمحون في بناء دولتهم المستقرة المتطورة .. فعليهم ان ينتظروا الأسوأ ، فلا يمكن لهم أن يتوقعوا الاستقرار إذا استمروا في تجاهل الفلسطينيين ورفض تطلعاتهم بل وحتى وجودهم.. ويبقى ان احد اخطر مشاكل إسرائيل ان امكانياتها والدعم غير المحدود الذى يقدم لها يفوق قدرتها البشرية المحدودة لتظل الفجوة قائمة بين الممكن وغير الممكن، والطريق الوحيد لتقليل تلك الفجوة هو الاندماج او الذوبان. 



تواصل معنا